فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أبو عمرو: تأسّن الرجل أباه أخذ أخلاقه.
وقال الَّلحياني: إذا نزع إليه في الشَّبه.
وقراءة العامة {آسن} بالمدّ.
وقرأ ابن كثير وحُميد {أسن} بالقصر. وهما لغتان؛ مثل حاذر وحذر.
وقال الأخفش: أسن للحال. واسن (مثل فاعل) يراد به الاستقبال.
{وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} أي لم يحمض بطو ل المقام كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة.
{وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} أي لم تدنسها الأرجل ولم تُرَنِّقْها الأيدي كخمر الدنيا؛ فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتركها الشاربون.
يقال: شراب لَذّ ولذيذ بمعنًى.
واستلذه عدّه لذيذًا.
{وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} العسل ما يسيل من لعاب النحل.
{مُصَفًّى} أي من الشمع والقَذَى. خلقه الله كذلك لم يطبخ على نار ولا دنّسه النحل.
وفي الترمذي عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقّق الأنهار بعدُ» قال: حديث حسن صحيح.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَيْحان وجَيْحان والنيل والفُرات كلٌّ من أنهار الجنة» وقال كعب: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة. ونهر الفرات نهر لبنهم. ونهر مصر نهر خمرهم. ونهر سَيْحان نهر عسلهم.
وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر.
والعسل: يذكر ويؤنث.
وقال ابن عباس: {مِن عَسَلٍ مُصَفًّى} أي لم يخرج من بطون النحل.
{ولهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات} {مِن} زائدة للتأكيد.
{وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} أي لذنوبهم.
{كَمَنْ هو خَالِدٌ فِي النار} قال الفرّاء: المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار.
وقال الزجاج: أي أفمن كان على بينة من ربه وأعطي هذه الأشيئاء كمن زُيِّن له سوء عمله وهو خالد في النار.
فقوله: {كَمَنْ} بدل من قوله: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ}.
وقال ابن كيسان: مثل هذه الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم.
ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كمثل أهل النار في العذاب المقيم.
{وَسُقُواْ مَاءً حَمِيمًا} أي حارًا شديد الغليان. إذا أُدْني منهم شوى وجوههم. ووقعت فروة رؤوسهم؛ فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم.
والأمعاء: جمع مِعًى. والتثنية مِعيان. وهو جميع ما في البطن من الحوايا. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} إلى آخِره.
استئناف مسوق لشرح محاسن الجنة الموعودة آنفًا للمؤمنين وبيان كيفية أنهارها التي أشير إلى جريانها من تحتها وعبر عنهم بالمتقين إيذانًا بأن الايمان والعمل الصالح من باب التقوى الذي هو عبارة عن فعل الواجبات وترك السيات. والمثل الوصف العجيب الشأن وهو مبتدأ باتفاق المعربين. واختلف في خبره فقيل محذوف فقال النضر بن شمير: تقديره ما تسمعون. وقوله عز وجل: {فِيهَا أَنْهَارٌ} إلى آخِره مفسر له. وقال سيبويه: تقديره فيما يتلى عليكم أوفيما قصصنا عليك ويقدر مقدمًا {وَفِيهَا أَنْهَارٌ} الخ بيان لذلك المثل. وقدره ابن عطية ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف وليس بذاك. ولعل الأنسب بصدر النظم الكريم تقدير النضر. وقيل: هو مذكور فقيل هو قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ} الخ على معنى مثل الجنة وصفتها مضمون هذا الكلام ولا يحتاج مثل هذا الخبر إلى رابط.
وقيل هذه الجملة هي الخبر إلا أن لفظ {مَثَلُ} زائدة زيادة اسم في قول من قال:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

فالمبتدأ في الحقيقة هو المضاف إليه فكأنه قيل: الجنة فيها أنهار الخ وليس بشيء. وقيل: الخبر قوله تعالى الاتي: {كَمَنْ هو خالد في النار} وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط الكلام فيه.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وعبد الله. والسلمي {أصحاب الجنة} أي صفاتها. قال ابن جني: وهذا دليل على أن قراءة العامة بالتوحيد معناها الكثرة لما في مثل من معنى المصدرية ولذا جاز مررت برجل مثل رجلين وبرجلين مثل رجال وبامرأة مثل رجل. وعن علي كرم الله تعالى وجهه أيضًا أنه قرىء {أصحاب الجنة} ومثال الشيء في الأصل نظيره الذي يقابل به.
{مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ} أي غير متغير الطعم والريح لطول مكث ونحوه. وماضيه أسن بالفتح من باب ضرب ونصر وبالكسر من باب علم حكى ذلك الخفاجي عن أهل اللغة.
وفي (البحر) أسن الماء تغير ريحه يأسن ويأسن ذكره ثعلب في الفصيح. والمصدر أسون. وأسن بسكر السين يأسن بفتحها لغة أسنا قاله اليزيدي. وأسن الرجل بالكسر لا غير إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة منها فغشي عليها أودار رأسه ومنه قول الشاعر:
قد أترك القرن مصفرًا أنامله ** يميد في الريح ميد المائح الأسن

وقرأ ابن كثير. وأهل مكة {ءاسِنٍ} على وزن حذر فهو صفة مشبهة أوصيغة مبالغة. وقرأ {يسن} بالياء قال أبو علي: وذلك على تخفيف الهمزة {ءاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} لم يحمض ولم يصر قارصًا ولا حذارًا كألبان الدنيا وتغير الريح لا يفارق تغير الطعم {وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ للشاربين} أي لذيذة لهم ليس فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار كخمور الدنيا فإنها لا لذة في نفس شربها وفيها من المكاره والغوائل ما فيها وهي صفة مشبهة مؤنث لذ وصفت بها الخمر لأنها مؤنثة وقد تذكر أو مصدر نعت به بتقدير مضاف أوبجعلها عين اللذة مبالغة على ما هو المعروف في أمثال ذلك؛ وقرئت بالرفع على أنها صفة {أَنْهَارٌ} وبالنصب على أنها مفعول له أي كائنة لأجل اللذة لا لشيء آخر من الصداع وسائر آفات خمور الدنيا {وأنهار مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} مما يخالفه فلا يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها. ووصفه بمصفى لأن الغالب على العسل التذكير وهو مما يذكر ويؤنث كما نص عليه أبو حيان وغيره. وهذا على ما قيل تمثيل لما يجري مجرى الأشربة في الجنة بأنواع ما يستطاب منها أو يستلذ في الدنيا بالتخلية عما ينقصها وينغصها والتحلية بما يوجب غزارتها ودوامها.
وبدىء بالماء لأنه في الدنيا مما لا يستغني عنه ثم باللبن إذ كان يجري مجرى المطعم لكثير من العرب في كثير من أوقاتهم ثم بالخمر لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوفت النفس إلى ما يلتذ به ثم بالعسل لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم فهو متأخر بالرتبة. وجاء عن ابن عباس أن لبن تلك الأنهار لم يحلب. وقال سعيد بن جبير: أنه لم يخرج من بين فرث ودم وإن خمرها لم تدسها الرجال بأرجلها وإن عسلها لم يخرج من بطون النحل.
وأخرج ابن جرير عن سعد قال: سألت أبا إسحاق عن قوله تعالى: {مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ} فقال: سألت عنه الحرث فحدثني أن ذلك الماء تسنيم وقال بلغني: أنه لا تمسه يد وأنه يجيء الماء هكذا حتى يدخل الفم.
وفي حديث أخرجه ابن مردويه عن الكلبي أن نهر دجلة نهر الخمر في الجنة وأن عليه إبراهيم عليه السلام ونهر جيحون نهر الماء فيها ويقال له نهر الرب ونهر الفرات نهر اللبن وأنه لذرية المؤمنين ونهر النيل نهر العسل.
وأخرج الحرث بن أبي أسامة في (مسنده) والبيهقي عن كعب قال: نهر النيل نهر العسل ونهر دجلة نهر اللبن ونهر الفرات نهر الخمر ونهر سيحان نهر الماء في الجنة.
وأنت تعلم أن المذكور في الآية لكل أنهار بالجمع والله تعالى أعلم بصحة هذه الأخيار ونحوها. ثم إنها إن صحت لا يبعد تأويلها وإن كانت القدرة الإلهية لا يتعاصاها شيء {ولهُمْ فِيهَا} مع ما ذكر من فنون الأنهار {مِن كُلّ الثمرات} أي أنواع من كل الثمرات فالجار والمجرور صفة مبتدأ مقدر وقدره بعضهم زوجان وكأنه انتزعه من قوله تعالى: {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} [الرحمن: 52] وقيل: {مِنْ} زائدة أي ولهم فيها كل الثمرات {وَمَغْفِرَةٌ} مبتدأ خبره محذوف والجملة عطف على الجملة السابقة أي ولهم مغفرة. وجوز أن يكون عطفًا على المبتدأ قبل بدون قيد فيها لأن المغفرة قبل دخول الجنة أوبالقيد والكلام على حذف مضاف أي ونعيم مغفرة أوجعل المغفرة عبارة عن أثرها وهو النعيم أو مجازًا عن رضوان الله عز وجل. وقد يقال: المراد بالمغفرة هنا ستر ذنوبهم وعدم ذكرها لهم لئلا يستحيوا فتتنغص لذتهم والمغفرة السابقة ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها وحينئذٍ العطف على المبتدأ من غير ارتكاب شيء مما ذكر. وقد رأيت نحوهذا بعد كتابته للطبرسي مقتصرًا عليه ولعله أولى مما قالوه. وتنوين {مَغْفِرَةٍ} للتعظيم أي مغفرة عظيمة لا يقادر قدرها. وقوله تعالى: {مّن رَّبّهِمُ} متعلق بمحذوف صفة لها مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي كائنة من ربهم. وقوله عز وجل: {كَمَنْ هو خالد في النار} خبر لمبتدأ محذوف تقديره أمن هو خالد في هذه الجنة حسبما جرى به الوعد كمن هو خالد في النار كما نطق به قوله تعالى: {والنار مَثْوًى لهم} [محمد: 12] لهم. وجوز أن يكون بدلًا من قوله سبحانه: {كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ} [محمد: 14] وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريرًا لأنكار المساواة وفيه بعد.
وذهب جار الله إلى أنه خبر {مَّثَلُ الجنة} وأن ذاك مرتب على الأنكار السابق أعني قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ} [محمد: 14] الخ. والمعنى أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد في النار فالمضافان محذوفان الجزاء بقرينة مقابلة الجنة ولفظ المثل بقرينة تقدمه ومثله كثير. وفائدة التعرية عن حرف الأنكار أن من اشتبه عليه الأول أعني حال المتمسك بالبينة وحال التابع لهواه فالثاني مثله عنده وإذ ذاك لا يستحق الخطاب. ونظير ذلك قول حضرمي بن عامر:
أفرح إن أرزأ الكرام وإن ** أو رث ذودًا شصائصا نبلا

فإنه كلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود مع تعريه من حرف الأنكار لانطوائه تحت حكم من قال له: أتفرح بموت أخيك وبوراثة إبله وذلك من التسليم الذي يقل تحته كل إنكار. وجعل قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ} كالتكرير للصلة أي صلة بعد صلة يتضمن تفصيلها لأنه كالتفصيل للموعود. ولهذا لم يتخلل العاطف بينهما. وجوز أن يكون في موضع الحال على أن الظرف في موضع ذلك و{أَنْهَارٌ} فاعله لا على أنه مبتدأ والظرف خبر مقدم والجملة الاسمية حال لعدم الواو فيها. وقد صرحوا بأن الاكتفاء فيها بالضمير غير فصيح. واعتبارها فعلية بتقدير متعلق الظرف استقر لا يخفى حاله. وقيل: في الحال ضعف من حيث المعنى لمجيئه مجىء الفضلات وهي أم الأنكار. وأيضًا هو حال من الجنة لا من ضميرها في الصلة وفي العامل تكلف. ثم الحال غير مقيدة وجعلها مؤكدة وقد علم كونها كذلك من إخباره تعالى فيه أيضًا تكلف. وأن يكون خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف بياني. قال في (الكشف): وهو الوجه. والتقدير هي فيها أنها وكأنه قيل: أنى يكون صفة الجنة وهي كذا وكذا كصفة النار فالاستئناف ههنا بمنزلة قولك: وهي كذا وكذا اعتراضًا لما في لفظ المثل من الأشعار بالوصف العجيب. وليس خبر الجملة السابقة {وَهوكَمَنْ هو خالد في النار} مورد السؤال ليعترض بوقوع الاستئناف قبل مضيه.
وأو رد أنه لا حاجة إلى تقدير المبتدأ لأن {فِيهَا أَنْهَارٌ} جملة برأسها. والجواب أن التقدير مثلها فيها أنهار فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعًا ثم حذف ولهذا قال: في السؤال كأن قائلًا قال: وما مثلها؟ ويجري ما قرر في قراءة الأمير كرم الله تعالى وجهه ومن معه {أمثال} بالجمع فيقال: التقدير أمثال الجنة كأمثال جزاء من هو خالد في النار. ويقدر المضاف الأول جمعًا للمطابقة. ولعمري لقد أبعد جار الله المغزى. وقد استحسن ما ذكره كثير من المحققين قال صاحب الكشف بعد تقرير جعل {رَّبّهِمْ كَمَنْ هو خالد} خبر لمثل الجنة: هذا هو الوجه اللائح المناسب للمساق.
وقال ابن المنير: في الأنتصاف بعد نقله كم ذكر الناس في تأويل هذه الآية فلم أر أطلى ولا أحلى من هذه النكت التي ذكرها لا يعوزها إلا التنبيه على أن في الكلام محذوفًا ليتعادل. والتقدير مثل ساكن الجنة كمن هو خالد في النار. ومن هذا النمط قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد الحرام كَمَنْ ءامَنَ بالله} [التوبة: 19] الخ؛ وما قدرناه لتحصيل التعادل أولى وإن كان فيه كثرة حذف فتأمل ذاك والله تعالى يتو لى هداك. والضمير المفرد أعني {هو} راجع إلى {مِنْ} باعتبار لفظها كما أن ضمير الجمع في قوله سبحانه: {وَسُقُواْ مَاء حَمِيمًا} راجع إليها باعتبار معناها. والمراد وسقوا ماءً حارًا مكان تلك الأشربة وفيه تهكم بهم {فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} من فرط الحرارة.
روي أنه إذا أدنى منهم شوي وجوههم وامتازت فروة رؤوسهم فإذا شربوه قطع أمعاءهم. وهي جمع معى بالفتح والكسر ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة ويقال له عفاج وهو مذكر وقد يؤنث. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}.
استئناف بياني لأن ما جرى من ذكر الجنة في قوله: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتتٍ تجري من تحتها الأنهار} [محمد: 12] مما يستشرف السامعُ إلى تفصيل بعض صفاتها. وإذ قد ذكر أنها تجري من تحتها الأنهار مُوهم السامع أنها أنهار المياه لأن جري الأنهار أكمل محاسن الجنات المرغوب فيها. فلما فُرغ من توصيف حال فريقي الإيمان والكفر. ومما أعد لكليهما. ومن إعلان تباين حاليهما ثُني العنان إلى بيان ما في الجنة التي وعد المتقون. وخص من ذلك بيان أنواع الأنهار. ولما كان ذلك موقع الجملة كان قوله: {مثَل الجنة} مبتدأ محذوف الخبر.
والتقدير: مَا سيوصف أو ما سيتلى عليكم. أو مما يتلى عليكم.
وقوله: {كمن هو خالد في النار} كلام مستأنف مقدر فيه استفهام إنكاري دلّ عليه ما سبق من قوله: {أفمن كان على بينة من ربه كمن زيّن له سوء عمله} [محمد: 14].
والتقدير: أكَمَنْ هو خالد في النار.
والأنكار متسلط على التشبيه الذي هو بمعنى التسوية.
ويجوز أن تكون جملة {مثَل الجنة} بدلًا من جملة {أفمن كان على بينة من ربه} فهي داخلة في حيز الاستفهام الإنكاري.
والخبر قوله: {كمن هو خالد في النار}. أي كحال من هو خالد في النار وذلك يستلزم اختلاف حال النار عن حال الجنة. فحصل نحوالاحتباك إذ دل {مَثَل الجنة} على مَثَل أصحابها ودلّ مثل من هو خالد في النار على مثل النار.